اعتنى المحدثون بطرق الأحاديث ورواتها، وذلك لتمييز الصحيح من الضعيف، والمقبول من المردود، فتتبعوا هذه الطرق، وما له طريق واحد، وما له أكثر من طريق، وما هو متصل بالرواة، وما فيه سقط، وما في رواته ضعف، وما هو فوق ذلك.
ووضعوا لكل نوع اسماً اصطلاحياً، فقسموا أخبار النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار نقلها إلينا وقلة عدد رواتها أو كثرتهم إلى قسمين: أخبار متواترة وأخبار آحاد.
وفي هذا المقال نتعرض للحديث المتواتر، وما يتصل به من أحكام بشيء من التفصيل:
فالتواتر لغة: التتابع، وهو مجيء الواحد بعد الآخر، تقول تواتر المطر أي تتابع نزوله، ومنه قوله تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا تَتْراً} (المؤمنون: 44) ، وفي الاصطلاح: هو ما رواه عدد كثير يستحيل في العادة اتفاقهم على الكذب، عن مثلهم إلى منتهاه، وكان مستندهم الحس.
ومن خلال هذا التعريف يتبين أن التواتر لا يتحقق في الحديث إلا بشروط:
1- أن يرويه عدد كثير بحيث يستحيل عادة أن يتفقوا على الكذب في هذا الحديث، وقد اختلفت الأقوال في تقدير العدد الذي يحصل به التواتر، ولكن الصحيح عدم تحديد عدد معين.
2- أن توجد هذه الكثرة في جميع طبقات السند.
3- أن يعتمدوا في خبرهم على الحس، وهو ما يدرك بالحواس الخمس من مشاهدة أو سماع أو لمس، كقولهم سمعنا أو رأينا ونحو ذلك.
واحترز المحدثون بذلك عما إذا كان إخبارهم عن ظن وتخمين، أو كان مستندهم العقل، فإن ذلك لا يفيد العلم بصحة ما أخبروا به، ولا يصدق عليه حد التواتر.
والحديث المتواتر يفيد العلم الضروري، الذي يُضطر الإنسان إلى تصديقه تصديقًا جازمًا لا تردد فيه، ولذلك يجب العمل به من غير بحث عن رجاله.
أنواع المتواتر:
وقد قسم العلماء الحديث المتواتر إلى قسمين:
1- متواتر لفظي: وهو ما تواتر فيه الحديث بلفظه كحديث: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وهو في الصحيحين وغيرهما.
2- متواتر معنوي: وهو ما تواتر فيه معنى الحديث وإن اختلفت ألفاظه، وذلك بأن ينقل جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب وقائع مختلفة في قضايا متعددة، ولكنها تشترك في أمر معين، فيتواتر ذلك القدر المشترك.
كأحاديث رفع اليدين في الدعاء، فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو مائة حديث فيه رفع اليدين في الدعاء، لكنها في قضايا مختلفة، فكل قضية منها لم تتواتر، والقدر المشترك فيها هو الرفع عند الدعاء، فهو تواتر باعتبار المعنى.
ومن أمثلة المتواتر عموماً أحاديث الحوض، والشفاعة، والرؤية، والمسح على الخفين، ورفع اليدين في الصلاة، وغيرها كثير.
ومن أشهر المصنفات في الأحاديث المتواترة كتاب " الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة " للسيوطي رحمه الله، وقد أورد فيه كل حديث بأسانيد من خرجه وطرقه.
ثم لخصه في جزء لطيف أسماه " قطف الأزهار " اقتصر فيه على عزو كل طريق لمن أخرجها من الأئمة، وكتاب " نظم المتناثر في الحديث المتواتر " للشيخ الكتاني رحمه الله.
هذه بعض المباحث المتعلقة بالحديث المتواتر، وسيأتي الكلام عن حديث الآحاد وتعريفه وأقسامه، في مواضيع لاحقة إن شاء الله.
المصدر: موقع إسلام ويب